ظاهرة إنشغال الزوج باتت أحد الظواهر الملموسة في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتعاظم معه المسئوليات، وقد يكون إنشغال الزوج إما في طموحاته ومستقبله المهني أو التجاري، أو إنشغاله في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي كلا الحالتين يأتي هذا الإنشغال على حساب الإهتمام بالزوجة والأولاد، وتحمل كامل مسؤولياتهم ومتطلباتهم.
¤ ولأهلك عليك حقا:
بعض الرجال يبررون إنشغالهم بالعمل، بأنه نابع عن إحساسهم بوظيفتهم الحقيقية، والغريب أن يحاول الزوج المشغول أن يشعر زوجته دائماً بأن هذا الوضع طبيعي، ويمارس سلطاته تحت شعار قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} متجاهلاً قوله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وأن أداءه لحقوق الآخرين واجب عليه مثل الواجب الآخر الذي يشغله، وطبيعة الحياة تستوجب من الإنسان الكدح لتحقيق التوازن بين العديد من الواجبات المتنافرة.
إن عليك أخي الزوج المشغول أن توازن بين الإستغراق في أعمالك والإهتمام بزوجتك وأولادك، لأننا مأمورين شرعاً أن نعطي لكل ذي حقٍ حقه دون إفراط وتفريط، ولابد أن تعي حقيقة دورك التربوي قبل أن تجد ولدك قد فسد أو إنحرف أو ضل الطريق، فحينئذ ماذا ستفيدك أموالك وأعمالك؟ هل سترده إلى جادة الطريق؟ أم هل ستقَوم خُلقه بعد فوات الأوان.
يقول ابن القيم الجوزية في كتابه تحفة المودود في أحكام المولود: وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته إنتفاعه بولده، وفوَت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا إعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.
¤ كوني متفهمة لأعبائه:
المشكلة الأساسية عند معظم الزوجات أنها تفكر بالأمور من زاويتها هي ومن خلال ما تريده، فتراها كثيراً ما تظلم الزوج عندما تطلب أكثر من حقها، أو عندما تطلب حقها في غير الوقت المناسب أو بطريقة غير مناسبة..
وعندما تسيء فهم ظروف زوجها ودوره وأعباءه، أو عندما تفشل في التعويض عن إنشغال الزوج بمجالات وأنشطة خاصة تملأ بها فراغ وقتها، وخاصة الزوجة الشابة التي لم تنشغل بعد بالأولاد ومشاكلهم.
¤ لكي يعود زوجك إليك:
= مسألة قولك بأن زوجك لا وقت لديه للإهتمام بك وبأولادكما ليس حقيقيا، فالمشكلة ليست في الوقت وإنما في تنظيم الوقت، وهذا عمل برامجي يحتاج إلى مشاركتك له في وضع برنامج مرن يتناسب مع وقته هو، والعبرة ليست بكم الساعات التي يقضيها الزوج في المنزل، وإنما كيف يقضي ذلك الوقت مع أبنائه وزوجته.
= حاولي أن تجعلي مواعيد ثابتة يوميا للجلوس معه ومع الأطفال ولو لفترة بسيطة.. إحرصي على مشاركته لكم وجبة أو وجبتين للطعام يوميا حسب وقته.
= رتبي لقاء أسبوعي أو شهري لتناول الطعام خارج المنزل.. بدعوة منك.. ورتبي زيارات اجتماعية للأهل معا أسبوعيا أو شهريا.
= إجعليه أكثر تعلقا بك وبالأطفال.. وعندما يعود من عمله حاذري من التذمر، بل إستقبليه بوجه بشوش.
= تقربي منه بمهاتفته في عمله للسؤال عنه، أو ترك رسالة ودية على جواله تشعره أنك تشتاقين إليه حتى في عز إنهماكه بالعمل، وهو ما سيجعله يلتزم بالرد عليك ومبادلتك الرسالة بمثلها.
= أكثري من التودد له، وإجعلي البيت جنة حقيقية حتى يشتاق لك وللبيت، وأفردي له مكتبا مستقلا بالبيت يستطيع من خلاله أن يتابع أعماله من داخل منزله، وإغتنمي أيام الأجازات والعطل للمكوث معه.
= أشعريه دائما أنه رجل ناجح ولا تشعريه بأي تقصير تجاه البيت، بل قولي له بأنك في البيت تقومين بخلافته فيه، وعززي طموحه وطلبه للعلم أو العمل، وحاولي مشاركته في إهتماماته دون إزعاج له.
= قدمي له أشرطة ومواد سمعية لطيفة حول الزواج والسعادة والحقوق والواجبات يسمعها خلال القيادة.. أشعريه بأن نجاحه في البيت يزيد من نجاحه بالعمل.
= أنت لا تقدرين على محاربة الرجل بسلاحه لأنه ثقيل في يدك الناعمة، وتتعبين جد التعب من حمله، فإذا كان زوجك مولعاً بالتردد إلى الأندية العمومية، وأردت أن تستبقيه عندك، فلا تؤذيه بهجر القول، بل إجعلي بيتك الصغير نادياً رحباً، له فيه كل ما يسره ويسليه، وإستنبطي كل يوم مسرة تجتذبيه بها، وسيريك الزمان أن أسلحة المرأة الماضية هي: الجمال والإستسلام والحلم واللطف والسكينة والإتكال والخجل والحنان، ولعلك تظنينها أسلحة ضعيفة، ولكن أؤكد لك أنها إذا شحذتها الحميمية والأمانة كانت ماضية جداً، وكافية لأن تدمث الطباع الخشنة، وتخفض من غلواء الرجل، وتحط من كبريائه.
= حاولي أن تسندي بعض المسؤليات التربوية لزوجك، وإتفقي معه على أنها من واجباته مثل: أخذ الأولاد الذكور لحضور الصلوات المفروضة في المسجد، أو حضور بعض مجالس العلم معه لسماعه والإستفادة والإقتداء به، مصاحبة الأولاد لبعض أعماله التي تكسبهم خبرة ووعي وثقافة.. إلى غير ذلك.
= اجعليه مشاركاً لك في بعض أعباء المنزل على قدر ما يسمح وقته وجهده، كقضاء لوازم المنزل من مأكولات وملابس معك، أو متابعة ومذاكرة لبعض أولاده معك، ومشاركة لكم في جلسة أسبوعية على الأقل لمعرفة أحوال الأولاد ثم إلقاء بعض التوجيهات منه لهم.. إلى غير ذلك.
= جدير بأن تبحثي عن وسيلة لملء فراغ وقتك وتقدير الأمور حق قدرها، وإياك ثم إياك أن تتحولي إلى عبء يثقل كاهل زوجك أكثر مما هو مثقل.. إنك بذلك تعمقين الهوة بينك وبينه.
= عليك أن تكفي عن التعامل مع الزوج على أنه المصدر رقم واحد للإشباع الإنساني من خلال الحوار معه، بل لابد من تنمية باقي جوانب حياتكما المشتركة وتحسين علاقتك العاطفية به، والكف عن انتقاده، فالرجل الناجح لا يحب الإنتقادات، ويعتز بنفسه كثيرا وقد يعود عزوفه عن الحديث معك لاعتراضك على آرائه.
ومجمل القول أنه لابد أن تحسني إختيار الوقت المناسب للحديث مع زوجك في الأمور التي يحبها، وأن تقدري إهتمامه بعمله، وأن تنشغلي أنت أيضا بأولادك وهواياتك وإهتماماتك في الحياة، وألا تجعلي من زوجك محورا لحياتك فتنتظرين عودته لتستمدي الحياة من وجوده، مما يشعره بأنك تمثلين عبئا عليه.
الكاتب: د. خالد سعد النجار.
المصدر: موقع اسلام ويب.